الذاكرة
الذاكرة هي الجزء الذي يتذكر الأحداث والحقائق والعمليات، وتتكون من خلال تجميع المعلومات والتجارب السابقة وتخزينها والاحتفاظ بها لاسترجاعها فيما بعد، وقد وصفت عالمة النفس الإدراكية مارغريت ماتلين الذاكرة بأنها عملية الاحتفاظ بالمعلومات على مرّ الزمان، كما عرفها آخرون بأنها القدرة على استخدام التجارب السابقة لتحديد اختيارات المستقبل، ويرتبط مفهوم الذاكرة عند المعظم بالدراسة للامتحان، أو تذكر مكان مفاتيح السيارة، وهي ضرورية جدًا في حياتنا اليومية، إذ لا يمكن على العيش في الحاضر، والمضي قدمًا إلى المستقبل دون الاعتماد على الذاكرة.
وتبدأ الذاكرة بالعمل منذ الولادة وحتى الموت، ولتذكر شيء ما وتسجيله على أنه ذكرى يجب أن تكون إحدى الحواس الخمس قد التقطته، وتخزن الذكريات عند التقاطها في الذاكرة قصيرة المدى، ثم تنتقل إلى الذاكرة الطويلة المدى بمجرد انتهاء الموقف، ويمكن بعد ذلك تذكر الشيء وكيفية تأديته دون التفكير الواعي بالخطوات التي يجب اتباعها لفعله، ويحدث هذا الانتقال بعدة أشكال؛ فيمكن أن تنتقل عن طريق التكرار؛ مثل الدراسة للاختبار، فبتكرار المعلومة تنتقل من الذاكرة قصيرة المدى إلى طويلة المدى، أو عن طريق ربطها بمعرفة أخرى مكتسبة مسبقًا، وعادة لا يمكن إدراك ما يوجد في الذاكرة إلى حين الحاجة لاستخدام هذه المعلومة، فتُستخدم عملية الاسترجاع لوضعها في المقدمة عند الحاجة إليها، وتوجد أنواع من الذكريات تحتاج لمجهود أكبر من غيرها لتذكرها واسترجاعها.[١]
الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم
كان رأي العالم رينيه ديكارت للذاكرة أنها يمكن أن تتخزن في أماكن أخرى غير الدماغ، فتُخزن أيضًا في العضلات والغدة الصنوبرية التي اعتبرها مقرًا للحواس الجماعية، ومن هنا قال مقولته الشهيرة: الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم، كما يوجد نوع آخر من الذاكرة حسب فلسفة ديكارت، وهي الذاكرة الفكرية التي تعتمد على الروح فقط، وكان معيار ديكارت لتحديد ما إذا كان جزءًا معينًا ينتمي إلى الجسد أو الروح قدرة الفرد على لمس أو رؤية الشيء ماديًا، فأي شيء يمكن إدراكه عن طريق الحواس الخمس هو من الجسم، وأي شيء لا يمكن تصوره بأي شكل من الأشكال يُعزى إلى الروح، وأكد ديكارت على أن الروح مرتبطة بالجسد بأكمله، فلا يمكن القول أنها موجودة في جزء معين منه دون غيره.[٢]
نظرية ذاكرة الجسد
النظرية الحالية المقبولة من قبل علماء البيولوجيا العصبية هي أن الذكريات طويلة الأجل تعيش في نقاط التشابك العصبي، وهي الفراغات التي تنتقل فيها السيال العصبي من خلية عصبية إلى أخرى، وتعتمد الذكريات الدائمة على شبكة قوية من هذه الروابط العصبية، وتضعف الذكريات وتتلاشى إذا تحللت المشابك، ودرس الباحثون الخلايا العصبية في جسم الرخويات البحرية، فشكلت الخلايا العصبية تلقائيًا عددًا من المشابك العصبية، ثم وضعوا ناقلًا عصبيًا في الخلايا العصبية، مما تسبب في خلق العديد من نقاط التشابك العصبي، وهي العملية نفسها التي تتشكل فيها الذاكرة طويلة المدى للكائنات الحية، وعندما ثُبط الإنزيم المكوّن للذاكرة، وفُحصت الخلايا العصبية بعد 48 ساعة، لوحظ رجوع عدد نقاط التشابك العصبي إلى الرقم الأولي، لكن النقاط الموجودة لم تكن نفسها التي كانت من قبل، فقد استُرجعت بعض نقاط التشابك الأصلية، وأُنشئت بعض نقاط التشابك الجديدة.
هذا الاكتشاف مثير للدهشة؛ لأنه يشير إلى أن جسم الخلية العصبية يعرف عدد النقاط التي من المفترض أن تشكله، مما يعني أنه يخزن جزءًا مهمًا من الذاكرة، ووجد الباحثون أن الذاكرة طويلة المدى يمكن أن تُمحى بالكامل، ثم يُعاد تشكيلها باستخدام حافز تذكير صغير فقط، مما يعني أن جسم العصبون يخزن بعض المعلومات، ولكن حتى لو كانت الخلايا العصبية تحتفظ بمعلومات حول عدد المشابك العصبية التي يجب تشكيلها، فمن غير الواضح إذا ما كان يمكن للخلايا معرفة مكان المشابك العصبية أو مدى قوتها، وهي معلومات مهمة لتخزين الذاكرة.[٣]
أنواع الذاكرة
قسم العلماء الذاكرة إلى عدة أنواع أساسية، وهي:[١]
- الذاكرة قصيرة المدى: توجد تعاريف متباينة ومختلفة للذاكرة قصيرة المدى، إلا أنها تُعرف عمومًا باعتبارها عملية تذكر الأشياء التي حدثت على الفور حتى بضعة أيام، ويُعتقد أنه يمكن تخزين ما بين 5-9 عناصر في الذاكرة النشطة قصيرة المدى ويمكن تذكرها بسهولة، ولا يمكن للمرضى الذين يعانون من فقدان الذاكرة على المدى القصير أن يتذكروا الأشياء التي حصلت قبل خمس دقائق وخُزّنت في الذاكرة قصيرة المدى، لكن يمكنهم تذكر صديق طفولتهم منذ 50 عامًا؛ لأن هذه المعلومات مخزنة في الذاكرة طويلة المدى.
- الذاكرة الضمنية: يُشار إليها أحيانًا بأنها ذاكرة لاواعية أو ذاكرة تلقائية، وتستخدم الذاكرة الضمنية التجارب السابقة لتذكر الأشياء دون التفكير بها، كما الموسيقيون والرياضيون المحترفون مثلًا، إذ لديهم قدرة فائقة على تكوين ذكريات ضمنية.
- الذاكرة الإجرائية: وتعد نوعًا فرعيًا من الذاكرة الضمنية، وهي جزءًا من الذاكرة طويلة المدى المسؤولة عن معرفة كيفية تأدية الأشياء، وتعرف أيضًا باسم المهارات الحركية، ومن الأمثلة عليها: العزف على البيانو، والتزلق على الجليد، ولعب التنس، والسباحة، وصعود الدرج.
- الذاكرة الصريحة: على عكس الذاكرة الضمنية التي لا تتطلب إلا القليل من المجهود للتذكر، فإن الذاكرة الصريحة أو الذاكرة التصريحية تتطلب جهدًا إضافيًا لتذكرها واسترجاعها، ومن الأمثلة عليها تذكر أعياد الميلاد للمعارف، وتتضمن الذاكرة الصريحة الذاكرة الدلالية والعرضية كما يلي:
- الذاكرة الدلالية: وهي غير مرتبطة بالتجربة الشخصية، وتشمل الأشياء الشائعة والمعروفة مثل أسماء الدول، وعواصم الدول، والأحرف وغيرها من الحقائق الأساسية التي لا يمكن التشكيك فيها.
- الذاكرة العرضية: وهي ذكريات الشخص نفسه لحدث معين أو شيء معين، وعادة ما يكون الأشخاص قادرين على ربط تفاصيل معينة بذاكرة عرضية؛ مثل والوقت والمكان والشعور وغيرها من التفاصيل، ولا يوجد أساس واضح يفسر بقاء بعض الذكريات في الذاكرة وعدم بقاء الذكريات الأخرى، ويعتقد الباحثون أن العواطف تلعب دورًا حاسمًا فيما نتذكره، ومن الأمثلة على الذاكرة العرضية؛ أول سفر بالطائرة، واليوم الأول في وظيفة جديدة، والمطعم أو المكان في اللقاء الأول مع الزوجة.
المراجع
- ^ أ ب Kim Ann Zimmermann (27-2-2014), "Memory Definition & Types of Memory"، livescience, Retrieved 23-12-2019. Edited.
- ↑ "Descartes and the Pineal Gland", stanford,18-9-2013، Retrieved 23-12-2019. Edited.
- ↑ Susan Cosier (1-5-2015), "Could Memory Traces Exist in Cell Bodies?"، scientificamerican, Retrieved 23-12-2019. Edited.