أين تقع مملكة ماري

الكشف عن مملكة ماري

على الرغم من تطور علم الآثار ووجود ثلة من العلماء العظماء المهتمين بالكشف عن تاريخ وحضارة البلاد، إلا أن الصدفة تلعب دورًا كبيرًا في الكشف عن المعالم الأثرية التي تحكي عن الغابرين، وهذا ليس ببعيد عن مملكة ماري فقد كشف عنها الأهالي في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي وتحديدًا عام 1933 إبان دفن الموتى، فلما صادفوا حجارة غريبة حاولوا نزعها لكنها بانت عن تمثال دون رأس، فبلغوا مكتب المختصين في هذا الشأن، وعليه جرت حفريات أثرية إنقاذية طارئة كشفت عما يعرف بمملكة ماري.[١]


موقع مملكة ماري

تقع مملكة ماري في بلاد المشرق العربي، وتحديدًا في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، في موقع إستراتيجي على نهر الفرات، وقد اختار القدماء هذا الموقع للنعيم بوفرة المياه، وخصوبة التربة في مواسم الفيضان، ناهيك عن أن الموقع يصل بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما أنعش حركة التجارية بين بلاد الشام والرافدين، وعليه فقد أخدت المملكة شكلًا دائرًا بفطر يساوي 19 كيلو متر، وأحيطت بسور عظيم من كل الجهات عدا جهة النهر لتنشيط الحركة التجارية وسهولة الاستفادة من هبة النهر، ويعود تاريخ المملكة إلى الألف الثالث قبل الميلاد وهو عصر رخاء وازدهار على مستوى كل المجالات بما فيها العمران، والزراعة، والاقتصاد، والتجارية، كما شكل أيضًا الناحية الفنية فتميز السكان في صناعة الفخار ونقش الأختام وغيرها.[١]

ولمن لا يعرف سوريا فهي جمهورية عربية تقع غربي قارة آسيا، تحدها جمهورية تركيا من الشمال، وجمهورية العراق من الشرق، وكلا من المملكة الأردنية الهاشمية ودولة فلسطين المحتلة من الجنوب، وأخيرًا فتحدها جمهورية لبنان وساحل شرق البحر الأبيض المتوسط من الغرب.[٢]


دور مملكة ماري حضاريًا

لعبت مملكة ماري دورًا كبيرًا في نشأة وتطور الحضارة، فقد أسهمت في ازدهار قطاع الزراعة الذي عم سائر سوريا، والجزء الشرقي منها على وجه التحديد، وهذا بدوره طوّر طرق الري من الأساليب البدائية إلى السواقي والسدود، وهو ما ساهم في محصلة الأمر في إيجاد مدينة متكاملة سريعًا، وعليه يمكن القول إن متطلبات المعيشة أصبحت متاحة كلها فاستقر الناس بأعداد كبيرة في ذات المكان، وزاد عدد القرى المنتظمة تدريجيًا مما انعكس إيجابًا على تطور القطاع الصناعي أيضًا، فظهرت الصناعات الفخارية والحرفية ونشطت حركة التجارة وتبادل الثقافات واكتساب مزيد من الخبرات مع مرور الزمن، ثم بدأ الكشف عن المعادن المميزة كالنحاس، البرونز، الفضة، القصدير، الفضة، والذهب، وقد عثر المختصون وعلماء الآثار على وثائق ومخطوطات قديمة تبين مدى التقدم والتطور الذي وصلت إليه المملكة، وبالإضافة إلى مجموعات مميزة من المجوهرات، والحلي، وأواني الشرب، وأغطية الأسرى، وغير ذلك.[١]


سكان مملكة ماري

نشر الباحث السوري بشار خليف كتابًا بعنوان حضارة مدينة ماري، ومما جاء فيه بخصوص سكان المملكة يمكن تلخيصه على النحو الآتي:[٣]

  • اللغة: يتحدث سكان مدينة ماري لغات عديدة كالسومرية، والأكادية القديمة، والحورية، واللهجات العمورية، كما أن بعض ملوك المملكة كان يحملون أسماءً سومرية، وعليه يمكن القول إن ماري شكلت بوابة عبور عموري إلى بلاد الرافدين، بل ثمة تعايش سومري عموري في ثلث الألف الثالث الأول.
  • الدين: عبد سكان المدينة الآلهة السومرية والعمورية، فقد كشفت العلماء عن معابد لكليهما، ويبرر الباحث هذا التنوع الديني إلى طبيعة المدينة تجاريًا فقد فرض عليها احتضان مجمل المعتقدات الدينية ومجمل رموزها، ومن أبرز المعابد السومرية في ماري معبد نيني زازا، وأما أشهر المعابد العمورية فهو معبد الآلهة عشتارات، ومما يؤكد على تعدد الآلهة وورود ما يزيد عن 125 اسمًا إلهيًا مقدسًا في نصوص المملكة منها: شمس، وسين، وأدد، وعشتار، وغيرها، وكانوا يقدمون الأضاحي للآلهة وملها من الخراف الذكور، إذا كانوا يأكلون لحمها بعد ذبحها.
  • المساكن: سكن أهالي مملكة ماري قرب المعابد، ومن هنا نشأت ظاهرة جديدة تمثلت في إنشاء قصر-معبد وهي ظاهرة تميز مدن الشرق وقتذاك، مما يدلل على وجود توافق ما بين السلطة الزمنية والاعتقادية.
  • النظام السياسي: حكم مدينة ماري 6 ملوك مدة 136 سنة، وقد تحققك فاعلية المملكة إبان عهد إيبلول إيل، فقد أشارت الوثائق التاريخية إلى أن مملكة ماري كانت القوة الوحيدة المسطرة على حوض الفرات الأوسط، وظلت الحال على ما هو عليه إلى سنة 2350 قبل الميلاد أي عندما ظهرت الأكادية، وقد أشارت ذات الدراسة أن نفوذ المملكة امتد إلى كركوك خلال الفترة المذكورة، وشمل كوموكبيا في بلاد الأناضول، وعليه فقد اضطر سكان مملكة إيبلا إلى دفع الجزية، كما أن مملكة إيمار خضت لماري إبان حكم إيشتوب شار.

وتجدر الإشارة إلى وجود الصراعات الإيثنية الديموغرافية بين مدن المشرف خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد، في حين أن هذه الصراعات لم تظهر في الوثائق الرافدية، وهي لا تشير لأي صراعات مع الأكاديين.

وقد خصص الكاتب فصلًا كاملًا للحديث عن المملكة إبان فترة حكم الملك زمري خلال الفترة الممتدة بين عامي 1782-1759 قبل الميلادي، وهو الحاكم الذي وطد شؤون مدينته فتحالف مع ملوك مدن المشرق، بل زوج بناته زيجات دبلوماسية من حكام مدن وكبار ضباط، وعليه فإن فاعليه المملكة امتد في عهده من توتول على مصب البليخ إلى بلاد خانة على نهر الفرات جنوبًا، وشملت حول مجرى الخابور شمالًا، كما امتلكت حدودًا مع مملكة قطنة ترافقت مع الطريق التجاري عبر البادية الشامية، مما يعني أن الوضع السياسي مهمهًا لهذا الملك الذي سعى جاهدًا من أجل إيجاد موطئ قدم لمملكته بين ممالك ذاك الزمان.


المراجع

  1. ^ أ ب ت إيمان سامي (7-11-2018)، "مملكة ماري العمورية حضارة عريقة اكتشفت بالصدفة"، المرسال، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2019.
  2. "سوريا"، الجزيرة، 3-11-2014، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2019.
  3. ميادة سفر (14-4-2018)، "عن حضارة مدينة ماري في سوريا"، الميادين، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2019.

فيديو ذو صلة :