مفهوم التجنيد
يعرف مصطلح التجنيد في معاجم اللغة العربية بأنه مصدر مشتق من الفعل الثلاثي المضعّف جنّد، أي صيّرهم جنودًا وهيأهم لذلك،[١] وأما اصطلاحًا فهو فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على مواطني الدولة، وذلك لضمان وجود تعبئة عسكرية شاملة قد تكون مهمة وقت الأزمات، كما في حال نقص الأعداد أثناء الحرب على سبيل المثال، إذ يلجأ الجيش في هذه الحالة إلى استدعاء المجنّدين، وسنبين في هذا المقال أهمية التنجنيد على الفرد والدولة وأول من فرض التجنيد الإجباري.[٢]
أول مَن فرض التجنيد الإجباري
تعود جذور التجنيد الإجباري إلى عصور موغلة في القدم إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح، فقد ظهر للمرة الأولى في المدن الإغريقية التي جندت مرتزقة للدفاع عن أراضيها إذا ما تعرضت لغزو أو تهديد، ثم عرف في روما لكنه اقتصر على النبلاء دون العبيد وأبناء الطبقات الدنيا، والحكمة من ذلك هي ضمان السيطرة على الفئات الاجتماعية التي تشكل سواد المجتمع. وتجدر الإشارة إلى أن التجنيد الإجباري المتعارف عليه في وقتنا الحاضر ظهر في مملكة بروسيا للمرة الأولى، وتحديدًا عام 1733، وذلك بهدف زيادة أعداد الجنود تبعًا لازدياد الحروب الأوروبية في تلك المرحلة، وقد كان ملك البلاد في ذلك الوقت فريدريش الثالث مسكونًا بهاجس الخوف من التحالفات الأجنبية ضد بلاده، لا سيما في ظل ظهور حركات التمرد في أرجاء البلاد. وأما في فرنسا فقد ظهر التجنيد سنة 1798، وكان قائمًا على مبدأ الإنتقاء بحيث يُنتقى 35 شخصًا من بين كل 100 مسجلين بالكانتون الواحد، وكان التعويض من نصيب عائلات النبلاء والبرجوازيين في حال وقع عليهم الاختيار، فيما عُمّم سنة 1805، وألغي جرّاء سقوط الإمبراطورية الأولى وعودة الملكية سنة 1814، ثم أقرّ مجددًا إبان الحرب البروسية الفرنسية سنة 1870، وأصبح التجنيد إجباري سنة 1905، وفيما يتعلق ببقية دول أوروبا فقد شاع التجنيد فيها جرّاء الأطماع الاستعمارية والرغبة في السيطرة على التجارة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، فيما ظل انتقائيًا وإراديًا باستثناء فترات الحروب مثل الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية.[٢]
أهمية التجنيد الإجباري
للتجنيد أهمية تعود على الفرد والدولة تتمثل فيما يأتي:
- إن مهمة الجيش الأساسية وسبب وجوده أصلًا في كل دول العالم هي حماية الوطن من العدو الداخلي والخارجي على حدِّ سواء، ومما لا شك فيه أن الدفاع عن شيء يولد شعورًا بالإنتماء إليه، فمسألة الدفاع عن الوطن تتطور تدريجيًا ثم تصل إلى حدّ فدائه بالنفس والمال والولد، ولن يكون التملص منه جاهسًا يؤرق المواطنين؛ لأنه في نهاية الأمر يصب في مصلحتهم وحماية عائلتهم من الأغراب، في حين أن هذه الحماية تحت إشراف الدولة، والعدل يكمن في أن التجنيد الإجباري مقيدًا بفترة زمنية معنية، فليس من العدل أن يظل أشخاص محددين حاملين على أكتافهم هم الحماية والذود عن الآخرين، في حين أن الآخرين يعيشون حياتهم عاديًا، مما يعني ان المجند يخدم لصالح الوطن ثم يعود مواطنًا عاديًا يمارس طقوس حياته كغيره، ليأتي دور الغير في الخدمة وهكذا، وتجدر الإشارة إلى أن انقطاع علاقة المجند بالجيش بعد انتهاء فترة الخدمة العسكرية لا تعني بالطبع انقطاع علاقته بالوطن، من هناك ظهر مصطلح الاستدعاء، إذ تقوم الجهات المختصة باستدعاء المجندين بعد انتهاء فترة خدمتهم في الجيش لأسباب طارئة، وميزة هؤلاء المستدعين أنهم مؤهلون بالكامل على استخدام السلاح وخوض الحرب على أكمل وجه، ولكن في حال عدم فرض التجنيد على المواطنين فلن يكون لصالح الوطن مخزون أو رصيد من الجنود المؤهلين للدفاع عنه، لا سيما في حالة الحرب غير المتوقعة، وقد ثبت فاعلية هذا الأمر في حرب أكتوبر سنة 1973 فقد كان الجيش الإسرائيلي على وشك الهزيمة لولا أنه استدعى وعبأ، مما غير كل موازين الحرب لصالحه فانتصر.
- إعداد مواطنين مسؤولين قادرين على ضبط زمام الأمور، فالشخص الذي يدخل غمار التجنيد والجيش والخدمة العسكرية يخرج شخصًا آخر.
- منح حق المساواة للجميع بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية، فلا يمكن لأحد أن يكون مفضلًا على غيره ما دام الجميع سواسية.[٣]
- إرهاب العدو وبث الرعب في نفسه، فهو ليس مجرد واجب وطني أو صمام لسد حاجة مرحلة معينة.
- القضاء على البطالة بين أبناء المجتمع من الشباب سواء أكانوا خريجي جامعات أو مدارس ثانوية، فالتجنيد هو وسيلة لإشغالهم واستثمار وقت فراغهم في ما يعود بالنفع عليهم وعلى عائلتهم وعلى الوطن ككل.
- تقوية عضلات الجسم بعيدًا عن حياة الكسل أو الرفاهية.
- التدرب على استخدام السلاح وحمله وكيفية استخدامه.
- تعزيز حب الوطن والانتماء له، فعلى سبيل المثال نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية ورغم قدرتها على شراء جنود مرتزقة للقتال معها في حروبها العسكرية، إلا أنها تفرض خدمة العلم أو ما يعرف بالتجنيد الإجباري؛ لأن الجنود المرتزقة لن يدافعوا عن الوطن كالمواطنين.[٤]
- تلقي قيم الانضباط على قدم وساق.
- تثمين دور الجيش في حالات الكوارث الطبيعية، وهو إجراء هام لحماية المدنيين قبل وصول الجهات المختصة، وهذا ما أثبته زلزال أكادير في المغرب العربي سنة 1960، فعملت القوات المسلحة الملكية كجيش تدخل لإنقاذ المدنيين، وهذا ينطبق على حالات الفيضانات أيضًا التي ضربت البلاد في السنوات الماضية، علمًا بأن كل التدخلات العسكرية نفّذت تحت إشراف القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.
- الحفاظ على الهوية الوطنية في ظل العولمة التي باتت تؤثر سلبًا على الأجيال الجديدة، من هنا نجد أن التجنيد الإجباري يقوم بدور تربوي لصالح الشباب من خلال غرض القيم الوطنية في نفوسهم، بما فيها التضحية، والإستقلالية، والمبادرة، وغيرها.
- يعد آداة للتضامن والوحدة؛ لأن المجندون يتألفون من شباب قادمين من مناطق مختلفة، وطبقات اجتماعية مختلفة، وأعراق وأديان مختلفة، فيما يشتركون بمهمة واحدة فتوضع اختلافاتهم كلها جانبًا.
- إعادة تأهيل ودمج الشباب في المجتمع لا سيما وأن مؤشر الإنحراف مقلق جدًا، وهذا بالطبع ينعكس على نهضة المجتمع اقتصاديًا، وصناعيًا، وعسكريًا.
- الخدمة العسكرية ظاهرة عالمية وإزامية في ثلث بلدان الكرة الأرضية، وقد باتت تلقى اهتمامًا كبيرًا جرّاء تطور الأزمات بين القوى العظمى على المستوى الاقتصادي، بما يزيد من احتمالية تحولها إلى أزمات حرب في المستقبل القريب أو البعيد، علمًا بأن معايير الخدمة تختلف من دولة إلى أخرى فمثلًا في بلاد المغرب تشمل الذكور والإناث غير الملتحقين بالدراسة وغير العاملين مقابل تعوضيهم شهريًا.[٥]
المراجع
- ↑ "عريف و معنى تجنيد في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 27-6-2019.بتصرّف.
- ^ أ ب "التجنيد الإجباري"، الجزيرة، 1-5-2016، اطّلع عليه بتاريخ 27-6-2019.بتصرّف.
- ↑ محمود الدومكي (28-12-2018)، "لماذا تم سن التجنيد الإجباري في بعض الدول وما أهميته"، لماذا، اطّلع عليه بتاريخ 27-6-2019. بتصرّف.
- ↑ زهير كتيبي (21-8-2014)، "أهمية التجنيد الإلزامي"، صحيفة مكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-6-2019.بتصرّف.
- ↑ يوسف لخضر (23-8-2018)، "التجنيد الإجباري .. ممارسة عالمية لتأهيل الشباب والشعور بالانتماء"، hespress، اطّلع عليه بتاريخ 27-6-2019. بتصرّف.