أصعب أشياء في الحياة

أصعب أشياء في الحياة
أصعب أشياء في الحياة

لكل شخص منطقة في قلبه يخصصّها للاحتفاظ بذكرى حزينة، أو موقف مؤلم، أو سرّ دفين لا يعرفه غيره ووأده في منطقة معتمة من الذاكرة؛ حتّى يلتهمها النسيان. من منا لم تمر عليه لحظات غاية في الصعوبة حتى ظن أنها القاضية، وأن الألم هو سنة من سنن الكون والفرح والسعادة هو الاستثناء. كم شخص توقع أن يأتيه ما يتمنى وجاءت السّفن بما لا يشتهي، فجثا على ركبتيه دون وعي منه، وماتت تحت قدميه كثير من الآمال التي تبخرت في الهواء كأنها لم تكن. كم تتحطم الروح عندما تعلم أنك مفارق من تحب لا محالة، وما هي إلا مسألة أيام معدودة، يقضيها العزيز يصارع المرض حتى يسلم الروح، انتظار صعب تموت فيه في كل يوم ألف ميتة. لا نستطيع أن نوصف شعور الأم التي فقدت جنينها قبل أن تحتضنه، أو الأب الذي يرى ابنه أمامه يعاني الألم ويقف عاجزًا مكتوف اليدين عن مساعدته؛ لأنه ببساطة بشر وليس لديه قوى خارقة، فما عليه إلا أن يتجرع الألم والحسرة بصمت. كيف يترجم القلم مشاعر حبيب يعلم أن لا مكان له في قلب من يحب، ولا يعلم حتّى بوجوده في هذا الكون وهو الذي يتنفس هواه، فهو محكوم عليه بالموت البطيء. وما أصعب أن ترى من تحب بين أحضان غيرك وأنت بعيد كل البعد، غير ملاحظ وكأنك هواء غير مرئي. كيف يستطيع الإنسان أن ينظر لنفسه بالمرآة عندما يجبره الزمن أن يتصرف عكس مبادئه ومعتقداته، ويغيره 180 درجة، حيث يصبح لا يتعرف على ذاته. ما أصعبها من لحظات تجبرك على الابتسام وأنت على وشك الانهيار، لا تدري ابتسامتك قوة أم كرقصة الطير المذبوح من الألم. كم تتبرأ من فعلتك كلما صفقت لمنافق، وأومأت برأسك بالإيجاب لفاسد، فتكون مشاركًا له في جريمته، كيف تستطيع بعدها أن تتعايش مع روحك وتحترمها، وأنت قد خنتها وأظهرت غير ما تبطن. ما أصعب أن يموت شخص في عينك وهو لا يزال حيًا يرزق، وأن تجبر على الاستماع لكذبه وخداعه لأنك تحبه. كم تتمنى لحظات الموت أن تأتي وتأخذك إلى الحياة الأخرى عندما يضيق بك العيش وتشعر أنك وحدك لا يفهمك أحد، أو يحسّ بك بشر، لا أحد يفرح معك في أوقاتك السعيدة، ولا يواسيك عند حزنك وألمك. ما أصعب أن تمشي في طريق لا تعرف نهايته ولا نهايتك، تتوقع الخير وتخاف من نقيضه، لا تملك لنفسك إلا الانتظار بلا حول ولا قوة، لا سيما عندما تبلغ نهاية الطريق وتعرف أنه الطريق الخطأ. أن تضطر أن تودع حبيبًا أو عزيزًا وأنت تعلم أن طريق العودة مستحيل، فتتمنى أن تنشطر نصفين ليبقى أحدهما مع من تحب، آهٍ لو تستطيع. ما أصعب أن تفقد الوطن وتبتلعك الغربة، تتهوه روحك كما أضاعت قدماك الطريق، هل يبقى من كرامة للأنسان بعد ضياع الوطن، الوطن في غلاته لا يعدله شيء. ما أصعب أن تتحول الخيانة لتصبح وجهة نظر. ودم الشهداء الذي روى ثرى الوطن يصبح غريب عنه ومنسي. ما أصعب أن تبتلع الأرض من تحب ولا تستطيع الوصول إليه لطبع قبلة الدواع الأخيرة على جبينه، لا تعرف في أي بقعة دفن. لم تكن معه في لحظاته الأخيرة من الحياة، لم تكتفِ من النظر في عينيه، تشعر أنك لم تقل له تريد، وما زال قلبك ولسانك يزدحم بالكثير، مما تريد قوله له، ولكن القدر كان أسرع منك، لا تؤجل كلمة طيبة لعزيز أو حبيب، فلا تعلم متى الرحيل، لا تضع رأسك على الوسادة وحبيب يتألم بسببك فقد لا تمتلك الوقت الكافي من الغد لمصالحته، لا تكسر قلب أم أو أب نسيا حياتهما وعاشاها من أجلك، لا تكن قاسيًا وانحن لتقبّل جبينهما ويديهما، فقد لا يمهلك الزمن الوقت الكافي. يقول واسيني الأعرج: "أصعب الأشياء في الحياة هي البدايات، فعليها تترتب كل الحماقات اللاحقة"، فلا تضع وقتك في بداية معروفة نهايتها، وتعلم من دروس غيرك والعبر التي مروا بها، لا تعد تجربة ما هو مستهلك ومجرب. لا تقل سأعيش مراهقتي كيفما يحلو لي، وتهمل مستقبلك الدراسي والتحضير للعمل، لا تسلك طريق الموت الأبيض فقد لا تستطيع الرجوع منه وتموت بجرعة زائدة. استغل الحرية المعطاة لك بمسؤولية والتزام، كن مفيد لمن حولك ومؤثر في مجتمعك. ما أصعب أن تموت وأنت على قيد الحياة، فيموت الفرح في قلبك، ثم تموت الذاكرة، وتنحني الأشواق وندخل بالرتابة، ثم تؤثر الانسحاب من هذه الحياة والاستسلام دونما قتال فأنت منهك وتعب، لا أمل لديك في الغد، فتقرر أن تتأرجع بحبل معلق على جذع شجرة، هل تستحق مثل هذه النهاية؟ هل تستطيع أن تصمد وتشفى من هذا الألم لو أن عزيزًا أو حبيبًا جعلك تتجرع مثل هذه المرارة عليه. الحياة كأمواج البحر مرة عالية ومرة هادئة وادعة، والمعزوفات الموسيقية لو تكونت من نغمة واحدة فقط لأصبحت إزعاجًا لا غذاء الروح، فهي تحتوي على جميع النوتات المنخفظة والمرتفعة، المتسارعة والبطيئة، فتنشأ عنها معزوفة يخلدها التاريخ. تلك المعزوفة الموسيقية هي الحياة، لن تستمر على ما هي عليه لفترة طويلة وإن طالت في نظرك، لابد لكل مشكلة نهاية، ولك طريق آخر. إن أقفل باب في وجهك اتركه واتجه لغيره فالأبواب المفتوحة كثيرة. إغتنم يا إنسان لحظات الفرح وعشها بكامل كيانك، املأ خزان رئتيك بالهواء المنعش، واستعد لتواجه صعوبات الحياة بتفاؤل وأمل بغدٍ أجمل، فمن لم يهوَ صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر. ولا تتوقع أنك وحدك في الكون من يعاني، فالجميع يعاني ويكابر ويتعالى على الألم ويسرق لحظات الفرحة رغم إرادة الجميع، فلا تكن مع الزمن على نفسك، بل كن مع نفسك على الزمن.

بقلم: وفاء العابور

فيديو ذو صلة :

576 مشاهدة