طلب العلم
خلقنا الله سبحانه لعبادته، فقال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (56): الذاريات، وعبادة الله لا يمكن أن يستقيم حالها إلا بالعلم الصحيح الموصل لهيئتها الصحيحة، وطلب العلم هو قوام الحياة، به يعيش المرء حياة كريمة، ويسعد الإنسان، ولذا فقد رغب الإسلام في طلب العلم وحث عليه وجعل هناك آداب لطالب العلم، وثمة ثمار عظيمة تترتب على العلم وعلى طالبه.
أهميّة العلم
فبالعلم يستطيع المسلم أداء عباداته على الوجه الصحيح، كما أمره الله بها، لأنّ من يعبد الله على جهالة يكون كمن عصاه، فالزكاة وكيفيتها، والحج وتفاصيله، والصلاة وأحكامها، والصوم وأحكامه، والمعاملات من بيع وشراء، ورهن وإيجار، وغير ذلك كلها لا بدّ لها من علم صحيح، وإلا فسيرتكب الإنسان أخطاء محققة سواء كان ذلك في علاقته مع الله، أو في علاقته مع النّاس، أو في علاقته مع الكون من حوله، فلا بد إذًا من العلم الصحيح، والحياة بكل دقائقها وتفاصيلها، لا يستقيم حالها إلا بالعلم الصحيح، فنشاط الإنسان اليومي في حياته، من
أكل وشرب، ومن عمل وإنتاج، وبناء وتعمير، ومن مواجهة للأمراض، والأوبئة، ومن تبادل للثقافات وبناء للأمم وتقدم وازدهار، وتوفير كافّة لوازم العيش الرغيد ومعداته، كل ذلك لا بدّ له من العلم الصحيح، فالعلم هو قوام الحياة الكريمة، وبانعدامه انعدام لها حقيقة لا مجازًا،
لأنّ الجهل، يعادل في آثاره آثار الأوبئة الفتاكة والأمراض القاتلة وكوارث الطبيعة المعتادة.
الإسلام وطلب العلم
اهتم الإسلام كثيرًا بطلب العلم، فقد أوجب الله ـ سبحانه ـ على المسلم طلب العلم وحثّ على طلبه وتعلّمه، وبين مكانته العظيمة، واعتبر العلماء من أكثر النّاس خشية له، فقال تعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ" (فاطر: 30) وهذا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن سلكَ طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنةِ" [المحدث: مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فطلب العلم الشرعي سبب لاجتياز الصراط عبورًا إلى الجنّة يوم القيامة، لأنّ طالب العلم سيعرف به الحلال ويتبعه، ويعرف به الحرام فيجتنبه، واشترط صلى الله عليه وسلم إطلاق سراح أسرى بدر من المشركين، أن يعلّم كلّ واحد منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وهكذا نجد أنّ نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف قد اهتمت بالعلم ورغبت به، وحثت عليه.
آداب طالب العلم
وطالب العلم لا بدّ له من الاهتمام بآداب مهمّة في طلبه، كإخلاص النية في طلبه وتعلمه، فتكون نيته بأن يوصله العلم إلى مرضاة الله وطاعته، ولا بد له أيضًا من التواضع وعدم التكبّر على النّاس في طلبه له، وكذلك عليه أن يجتنب المعاصي، لما فيها من طمس ومحو لنور العلم والمعرفة، فهذا الشافعي ينظّم في ذلك شعرًا يذكر فيه حوار دار بينه وبين شيخه وكيع بن الجراح، قال فيه: "شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأنّ العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصٍ" ولا بدّ لطالب العلم من بذل الجهد في طلبه، والصبر في تعلّمه له، ليحقق مراده في طلبه للعلم والارتقاء به.
وجوب طلب العلم
والعلم من ناحية وجوبه نوعان، فمنه ما هو فرض عينًا على كل مسلم، لا يعذر الجهل به، ككيفية الصلاة وشروطها وأحكامها، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا أدّاه البعض سقط الإثم عن غيره، كوجود التخصصات العلمية المعروفة، في الهندسة والطب، والصناعة وغير ذلك
العلم إذن محطة ارتقاء للإنسان في الحياة، تُنال به السعادة، ويتحقق به التقدم والازدهار فالأمم الراقية هي التي تهتم بالعلم وطلابه ومعلميه.