ما معنى حضارة

الحضارة

إنّ مفهوم الحضارة قديم قدم الإنسان وتاريخ وجوده، فلا حضارة دون تلك الأيادي التي نحتت شموخها، ولا علم لنا عن هذه الأيدي دونما تاريخ، فالحضارة في الوجه الآخر للإنسان، وهي مرآته التي تعكس قوته من ضعفه، ولطالما كانت الحضارة تراثًا إنسانيًا زاخرًا للمسيرة الإنسانية على مرّ التاريخ، فشاركت في بنائها أمم وشعوب وأقوام مشاركةً متفاوتة منذ قديم الأزل، ليكون المحور الرئيسي فيها هو الإنسان الذي أصبح يدور حوله كل نشاط.[١]

الحضارة هي نتاج تفاعل الإنسان مع الطبيعة من حوله، وهي نتاج الجهود التي يؤديها الإنسان للارتقاء بظروف حياته، سواء أكانت الجهود المبذولة للوصول إلى هذا النتاج مقصودةً أم غير مقصودة، أي أنها نسيج اجتماعي وثقافي وفكري ونفسي وتاريخي وديني واقتصادي مركب شديد التعقيد والتداخل، والإنسان هو العنكبوت التي نسجها، فهي محصلة إبداع إنساني لخدمة الإنسان وتلبية احتياجاته ورغباته، وتوفير الراحة والرخاء والسعادة والازدهار له.

الإعاقة الحضارية هي عدم تعبير أمة أو شعب أو قوم ما بالتعبير والمشاركة في السير في طرق الحضارة الإنسانية، بسبب عجز ما، فلا تجد لهم أي آثار حضارية، وكأن التاريخ طمس وجودهم من صفحاته، وتعدّ الإعاقة الحضارية أبشع أنواع التردي بالنسبة للشعوب والأمم، وبالتالي تصبح هذه الأمة وكأنها عالة على المسيرة الإنسانية.[١]


عوامل قيام الحضارة

إنّ نهوض الحضارات ليس بالأمر الصدفة الذي ينبثق من تلقاء نفسه، ولا تبنى من دون مقومات، فهي يستحدثها الإنسان بكامل إرادته وفق عوامل ذاتية وموضوعية، ومن أهم هذه العوامل:[٢]

  • الإنسان: إن الإنسان هو الباني للحضارة، ورافع قواعدها، وهو محور المخلوقات، وقد جُبل الإنسان ليكون صانع الحضارة التي تمتد مع مرور أيام التاريخ السحيق، على أسس الألفة بين البشر ومحبتهم، بغض النظر عن اللون أو العرق.
  • الأيدولوجية: فلا تعلو الحضارة دون عقيدة ومبادئ أساسية تدفعها إلى الأمام وتغذيها، والتصور الاعتقادي الأيدولوجي الصحيح هو المحرك لعوامل السير الحضاري، فإن كانت الحضارة نارًا فحطبها الاعتقاد، ولا نار تشتعل دون ما تحرقه، فإذا كانت الحضارة أفكارًا فإن جوهر هذه الأفكار سيكون الاعتقاد الأيدولوجي الصحيح.
  • العلم: العلم هو مفتاح الحضارة، ووسيلة بنائها، ولا توجد أمة في التاريخ قللت من قيمة العلم إلا وكان مصيرها أن تصنف كإعاقة حضارية، ولا بد لقيام الحضارات من الأخذ بأسباب العلم، بالشمولية والعلو والتميز.
  • السياسة المتبعة: أي أنه لا يمكن لحضارة أن تنمو وتنهض من سباتها دون وجود أنظمة سياسية مستقرة تحكم سيرها وقواعد التصرف بين الناس، وأن تكون باعثًا على الطاعة، وتعمير البلاد، ونمو الأموال.
  • المعاناة: إن بداية الحضارات تكون خلاصة تفاعل حدث بين الإنسان وبين الطبيعة في صراعه على الحياة والبقاء، نتيجة التحدي والاستجابة أو الفعل ورد الفعل، وأن قيام الحضارة لا تعود مسوغة إلى الطبيعة الجغرافية بالكامل، وحتى أنها لا تعتمد على الأجناس، وإنما هي نتيجة موقف الجماعة مما يقابله من تحديات وشكل ردها عليها أو الاستجابة لها.
  • العمل الصالح: إن البناء الحضاري لا ترسى قواعده إلا بالعمل النافع لصالح الإنسانية، والذي هو انعكاس الاعتقاد الأيدولوجي الصحيح الذي دفع الناس إلى إنشاء الحضارات العريقة.


عوامل سقوط الحضارة

إنّ أسباب سقوط الحضارات تعود بالكامل إلى الإنسان نفسه وتصرفاته، ويرى المؤرخون أنّ الحضارة التي تنشأ عن مبادئ عقيدة ما، يرتبط مصيرها إلى حد كبير بدوافع نشوئها، فإذا ضعف الدافع العقائدي فقدت الحضارة قدرتها على النمو والنهوض والاستمرارية، وتفككت الأواصرها، وهنا نعرض بعض عوامل انحدار الحضارات وسقوطها:[٣]

  • ضعف الأيدولوجية أو الدين: وهذا يعني تخلي الحضارة عن مبادئها الأساسية أو دينها الرسمي السائد، وتحررها من قوة قواعده الروحية، فيقودها ذلك إلى ضعف الأخـلاق والانحطاط، مما يسبب سقوط الحضارة عاجلًا أم آجلًا.
  • الظلم: يعدّ الظلم من أكبر العوامل التي تقود إلى فناء الحضارات، فمن خلاله تنشأ ظواهر وبائية نفسية واجتماعية واقتصادية، فيعم الفساد الحياة الإنسانية بأسرها.
  • الترف: تبدأ حياة الترف من مجرد انتقال الإنسان من حياة البدواة ليعيش حياة التحضر والتمدن والاستقرار، وهو ما يقود في نهاية المطاف لانحلال الأخلاق وركود الهمم، مما يؤثر سلبًا على التطور الحضاري.


الحضارة العربية الأسلامية

في لغة الضاد الحضارة هي كلمة مشتقة من الفعل حضر، وهي إقامة المدن والقرى وإعمار الأرض والأرياف والمنازل المسكونة وتورية حياة البداوة خلف الحاجبات، وما رافق هذا من منشآت أخرى كمعابد وساحات وغيرها، فهي تخالف حياة البادية والتنقل بين الفترة والأخرى، ويستخدم هذا المفهوم للدلالة على المجتمع المعقد الذي يعيش أكثر أفراده في المدن ويمارسون الزراعة والصناعة والتجارة، على خلاف المجتمعات البدوية ذات البنية القبلية التي تتنقل بطبيعتها وتعتاش بأساليب لا تربطها بأرض محددة، والحضارة في الإسلام هي نظام اجتماعي يساعد الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي والمادي، وتتألف الحضارة في المنظور الإسلامي من الناحية الحياتية عامّةً من أربعة عناصر هي الموارد الاقتصادية، والتقاليد الخُلقية، والنظم السياسية، ومتابعة الفنون والعلوم، وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق ويحل الأمن والأمان، لأنه إذا ما انفك الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وأسباب الإبداع، وبعد ذلك لا تنفك الحوافز الطبيعية تؤدي لنهوضه للمضي في حياته إلى الحياة وازدهارها، وترتكز الحضارة الإسلامية منذ ظهورها على العقيدة الإسلامية بالدرجة الأولى، ومن ثم المسير العلمي والفني التشكيلي، فالعقيدة تتمثل بتعاليم الإسلام والتوحيد والنظرة الشاملة للانسان والحياة ورسالة الأخلاق والحض على طلب العلم والاعتصام بالحق والخير.[٣]


المراجع

  1. ^ أ ب "مفهوم الحضارة"، صحيفة المثقف، اطّلع عليه بتاريخ 9-4-2019.
  2. "عوامل قيام الحضارة"، موسوعة، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.
  3. ^ أ ب "عوامل قيام وسقوط الحضارات "، المكتبة الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.

فيديو ذو صلة :