محتويات
التربية لغةً واصطلاحًا
التربية لغةً تعني نشأ وترعرع ونقول ربي، يربي، وربا أي زاد ونما، ربب الشيء أي أصلح الشيء [١]، والتربية اصطلاحًا لها معانٍ عدة منها: إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام، والرعاية والعناية في مراحل العمر الأدنى سواء في الجانب الجسمي أو الخلقي، وأيضًا تعني رفع درجة الوعي عند الفرد بنواحي الحياة المختلفة بغية تحقيق السعادة والاستقرار للأسرة والفرد والمجتمع[٢].
تطوّر مفهوم التربية عبر التاريخ الإنساني
جاء مفهوم التربية نتيجة لتطور عقل الإنسان واتساع دائرة وعيه لأهميتها في حياته بكلّ نواحيها، فتطرق العديد من العلماء والمفكرين إلى بيان هذا المفهوم وأثره في حياتنا فتوصلوا إلى علم كامل متكامل يعالج جميع نقاط هذا المفهوم، وتحدث العالمان كانط وأفلاطون عن التربية أنها تنمي عند الإنسان كل ما يمكنه من كمال وأنها عملية بناء للجسم ولا يمكن أن يكتمل الإنسان إلا بالتربية، وعرف دوركهايم أيضًا التربية أنها غرض اجتماعي بحت هدفه التنشئة الاجتماعية التي تجرى عن طريق الآباء وأولياء الأمور، ولم يغفل الإسلام عن دور التربية في تأديب النفس وتحسين الروح الانسانية؛ فهي تشمل جميع أبعاد الإنسان من روح ونفس وجسد متكاملين في قولبة المسلم السوي المتصل بالله والمؤثر اجتماعيًا.[١]
التربية وعلاقتها بالمجتمع
للتربية الدور الأهم في الانتقال بالإنسان من كائن بيولوجي إلى كائن مفكر ومهذب ومدرك وله شخصيته التي تميزه عن غيره من أقرانه، وتربية الآباء لأبنائهم هي عملية تعلم وتعليم وتنشئة تقوم على أساس الاتصال بالمجتمع من حولهم وتكسبهم سلوكًا يمكّنهم من مسايرة المجتمع من حولهم وتعلمهم كيفية التعامل مع مختلف العلاقات في مختلف المواقف، فالأسرة لها البصمة الكبرى في تحديد شخصية الفرد في المجتمع وفي إكسابه الطابع الاجتماعي الذي يساعده على الاندماج وفقًا لمقتضيات علاقاته.[٣].
وللتربية دور كبير في التغيير الاجتماعي؛ فهي تبني الأفكار الدافعة للتغيير والتقدم في المجتمع بصفتها الوسيلة الوحيدة لاستقرار المجتمع وأنظمته وأوضاعه الاجتماعية وإصلاحه وتحسينه وتطوره، وأيضًا تنمي مواهب وقدرات الفرد الذي له الدور الأكبر في تقدم المجتمع والأمة؛ بعدما أصبح تقدم الأمم مرتبط بالقوى البشرية وليس بالموارد الطبيعية التي تقتنيها[٤]، ومن أهداف التربية المتعلقة بالمجتمع هي توعية الفرد بواقع مجتمعه والمشكلات التي تتخلله؛ فمن مسؤولية المربّي أن يفهّم الفرد ما يجري حوله ويوسّع مداركه بملاحظة المشاكل والظروف وإيجاد الحلول لها وتجنب الوقوع بها، وهذا بدوره ينتج أفرادًا وأعين لمشاكل مجتمعهم ومثابرين في إيجاد حلول جذرية لها.
التربية وقضايا العصر
إن الأسرة هي أصغر جزء في بناء المجتمع وهي أيضًا الركيزة الأساسية لبنائه وتطوره، وتعدّ التربية مهمة الأسرة المكونة من الأب والأم والمدرسة والبيئة المحطية بالأطفال، كانت التربية في الماضي لا تشكل ذلك العبء الكبير على الأسرة، بل يتعلم الطفل بكل سهولة ما يريده الأباء ومن غير مجادلة، ولكن مع تطور العصر أصبحت توجد تحديات جديدة تقف أمام تربية صالحة ومفيدة للمجتمع، إذ إن الوسائل الحديثة للتربية قد تطورت عن السابق، وقد دخل إلى أسلوب التربية أساليب أخرى كثيرة، ولم يعد الطفل أو المراهق أو حتى الشاب يعتمد على الأهل للحصول على المعلومة التي يريدها مع التطورات العلمية والتكنولوجية الجديدة، وبالتالي قد يحصل على المعلومة الخاطئة في أي وقت وبأي وسيلة، وقد كان من قبل تأثير التكنولوجيا له أثر قليل على تربية الأطفال، ولكن اليوم أصبحت التربية الحديثة في كل بيت، وأصبح الأهل يجدون صعوبة في تربية أطفال مثل تربية آبائهم لهم.
ومع كلّ مساوئ التكنولوجيا الحديثة وأسلوبها التربوي إلا أن لها العديد من المزايا، إذ جعلت هذا الجيل يستطيع مواكبة كل ما هو جديد وحديث ومواجهة المشاكل العصرية، وبالتالي توفر تطور أقوى من السابق من ناحية التكنولوجيا الموجودة اليوم، ولكن هذا التطور والعالم المفتوح أمام الجيل القادم قد يكون خطرًا عليهم وعلى تفكيرهم، إذ إن هذا المستوى من التفكير والعالم الكبير المفتوح أمام أعينهم قد يؤدي بهم إلى مناطق مسدودة من التفكير، وبالتالي تتشكل صعوبة أمام الأهل بإدخال التربية السليمة لابنهم، ويقع في دوامة مع ابنه على ما هو الصحيح وما هو الخاطئ؛ لأن هذا العالم الكبير الذي يواجه القضايا المعاصرة المختلفة التي قد تؤثر على تربية الطفل التربية السليمة في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والدينية والتكنولوجية وغيرها من القضايا التي يمكن أن تجعل من تربية هذا الجيل تربية تعود عليه بالضرر أكثر من أن النفع، وقد تؤثر على أفكاره، إذ عند روية الطفل لمشاهد تخل بالآداب والأخلاق قد يظن بأن العالم الذي يعيش فيه يوجد فيه كلّ هذه الأمور التي يراها وقد تعلمه أفظع الأمور؛ مثل تعلم المخدرات وحمل السلاح وقتل الأبرياء، وتعلم الزنا وغير من الأمور الساقطة للمجتمع والهادمة له.
وتوجد الكثير من القضايا التي تحول بين تربية الطفل تربية سليمة، ولكن يستطيع الأهل والمجتمع صدها وإنشاء جيل قادر على مواجه الصعاب وتحمل المصائب عن طريق توفير الاستخدام الآمن للوسائل التكنولوجية المختلفة، وتثقيف الأهل على أفضل طرق التربية في ظل القضايا الراهنة في المجتمع، وإرشاد الطلبة في المدارس بكيفية التعامل مع المشاكل التي قد تواجههم وكيفية اللجوء إلى الأهل لطلب المساعدة دون الشعور بالخوف، وإنشاء وسائل الإعلام والمثقفين في المجتمع التي تنشر التوعية؛ للحدّ من الآثار السلبية للمشاكل الموجودة في المجتمعات المختلفة، والتفاهم في أسلوب التربية والحدّ من العصبية وممارسة الديموقراطية حتى يوجد جيل يستطيع التعبير عن نفسه ويدافع عنها وعن مجتمعه على حدّ سواء[٥].
أهمية التربية
تتلخص أهمية التربية فيما يأتي:[٦]
- التربية وسيلة اتصال وتواصل وتنمية للأفراد: إن بقاء المجتمع لا يعتمد فقط على نقل نمط الحياة، واتصال الكبار بالصغار مهما كان نوع هذا الاتصال، ولكن بقاء المجتمع يكون عن طريق الاتصال الذي يؤكد على مشاركة المفاهيم والتشابة في المشاعر، والأحاسيس للحصول على الاستجابات المتوقعة من أفراد المجتمع الواحد في كافة المواقف، كما تعمل التربية على استمرار ثقافة المجتمع وتجديده، ونقل هذا التراث الثقافي من جيل إلى جيل، وبهذا المعنى تحتل التربية مكانها البارز المميز الرفيع في ثقافة المجتمع، فهي السبيل والهدف مهما كانت صورتها ومنظماتها هو تشكيل الأفراد وتحقيق الاستمرار بين الأجيال المتنوعة وفي حياة الإنسان عامةً، فلا بد لكل جيل من الأجيال أن يدرك إلى أين وصل أسلافه حتى يبدأ سيره من نقطة توقفهم، إذ إن المسير تنتقل وتستمر عن طريق التفاعل، والتنشئة، والتربية.
- تكون الاتجاهات السلوكية: توجد وظائف اجتماعية أخرى كثيرة ومتنوعة للتربية تتحقق من خلال عمل البيئة الاجتماعية وذلك هو أن الطريقة الوحيدة التي يسيطر بها على الكبار، وعلى تربية الصغار أيضًا إنما تحدث السيطرة على البيئة التي يعملون فيها، ويفكرون ويشعرون بها.
أنواع المؤسسات التربوية
المؤسسات التربوية هي الأوساط أو التنظيمات التي تسعى المجتمعات لتأسيسها تبعًا لظروف الزمان والمكان، لتنقل من خلالها ثقافاتها وتطور حضاراتها وتُحقق أهدافها وغاياتها التربوية، وتكون متعددة الأنماط والأشكال وتختلف حسب الزمان والمكان والنشاط التربوي الذي يُمارس فيها، وعلى الرغم من تنوع هذه المؤسسات، إلا أن علاقة الإنسان بها تنطلق من كون التربية هي عملية شمولية ومتكاملة، ولا يوجد حدّ نهائي لتربية الإنسان وإعداده لممارسة أدواره ووظائفه الاجتماعية المختلفة في الحياة، وهذه المؤسسات هي[٧]:
- الأسرة.
- المسجد.
- المدرسة.
- وسائل الإعلام.
- النادي.
- المكتبة.
- الرفاق.
تأثير المجتمع على التربية
تذهب نظرية سوليفان إلى أن سلوك الفرد هو نتاج ورد فعل لتوقعات المجتمع منه والتي تؤثر مباشرةً في توقعاته وتنبؤاته المستقبلية، وبما أن شخصية الفرد متغيّرة وليست ثابتة فإنها تتأثر بآراء الناس ونظراتهم المختلفة حولها، ويؤدي النقد المستمر للطفل من قبل الوالدين أو الأقارب أوالمدرسين، وإطفاء صفات ملاصقة عليه إلى حالة من إنكار الذات والكبت المستمر وظهور الاضطرابات النفسية في المستقبل، لذلك من واجب الأهل إدراك ذلك وإحاطة أطفالهم بالبيئة المجتمعية التي تدعم نفسياتهم وتطورهم ونموهم[٨].
وتوجد العديد من الأسباب الخارجية التي تؤثر في سلوك الأبناء وخاصةً المراهقين منهم، ويلعب مجتمع الأصدقاء الدور الحيوي في حياة المراهقين، وغالبًا ما تفضل هذه الفئة العمرية التسكع مع الأصدقاء بدلًا من قضاء الوقت مع العائلة أو الأقارب، ولكن يختلف تأثير الأصدقاء من مجتمع لمجتمع؛ إذ توجد مجتمعات تتسع فيها دائرة الحرية ولا وجود للقيود الدينية أو الاجتماعية بعكس مجتمعات أخرى تكون فيها القيود الدينية والاجتماعية هي المرجع للأولاد وهي الوازع الديني في حالة الخطأ، ولا يستثنى من تلك القيود التسهيلات المالية التي تُعطى لأولئك اليافعين، وقد فاقم الإافتاح الذي تعيشه معظم الدول في كل أنحاء العالم بسبب الاختراعات والتطور التكنولوجي المتزايد من حجم مشكلة تأثير المجتمعات سلبًا على اليافعين، وجعل منهم متمردين لا يسمحون لأولياء الأمور بالدخول إلى حياتهم الخاصة باعتقادهم أن تفكير الآباء هو تفكير قديم نسبيًا لا يمكن الأخذ به في زمن التقدم الذي نعيشه. [٩].
أبرز قضايا الشباب المعاصرة
عندما نتحدث عن قضايا الشباب المختلفة فإننا نتحدث عن قضايا المجتمع؛ لأن الشباب هم عصب الأمة والمجتمع، وبناة الوطن، وهم الذين يعلّق عليهم الناس آمالهم وطموحاتهم؛ لأنهم أصحاب القوة والحيوية والنشاط، وهم الذين ينتظرهم مستقبل مشرق جميل بجدهم واجتهادهم، وكفاحهم مصاعب الحياة المختلفة وتغلبهم عليها، فهم أصحاب عقول ناضجة، وأجسام فتية، ومواهب خفية، وهم واجهة المجتمع:[١٠]
- قضية البطالة: لا يمكن لأحد إخفاء الاقتصاد العام لأنه ليس في أفضل أحواله، وهذا ينعكس على الكثير من حياة الشباب الذين يريدون بعد أن ينهوا سنوات طويلة من الدراسة، وأن يجدوا فرصة عمل مناسبة لهم لتعينهم على قضاء حوائجهم في هذه الحياة، ومشكلة قضية البحث عن العمل الهاجس الأكبر للكثير من الشباب؛ لأنه من خلال العمل يمكنهم تحقيق آمالهم واستقلالهم المادي، والاستقرار، والزواج من بعد ذلك، وبه يشعرون بكينونتهم في مجتمعهم؛ فهم ثمرة جميلة، ناضجة تهدف روحها للقفز من غصنها الصغير إلى مضمار الحياة الواسع.
- قضية الزواج: إن كثيرًا من شباب المجتمع يبحث عن نصفه الآخر في هذه الحياة، ولم لا؟ فتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها، لذلك فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج.
- قضية الفراغ: نجد كثيرًا من الشباب في وقتنا الحالي مع أن لديه وقت فراغ كبير؛ لكنه يقضيه في ممارسة اللهو، والعبث وبما لا يفيده، كأنهم لم يدركوا أن الوقت من ذهب، وقديمًا قالوا: إذا ذهب وقتك ذهب بعضك، لأن الوقت جزء مهم من الحياة، وهو جزء أهم بكثير في حياة الشباب، لأن الشباب لديهم قدرات كبيرة، وواسعة فإذا استغلوها بشغل وقتهم وتنميته، واستغلاله بكل ما هو نافع لهم؛ لأفادوا به أنفسهم ولنفعوا به أوطانهم.
- قضية الإدمان: وهو من أهم المشكلات المتداولة والمنتشرة في المجتمع وتأتي أهمية تلك المشكلة؛ لأنها تهدف بالمقام الأول الشباب، لأنهم الأكثر عرضةً للوقوع في دائرة الإدمان لتوفر الأسباب التي تؤدي إلى إدمان الشباب خصوصًا أكثر من غيرهم فمن أهم أسباب الإدمان الرئيسة:
- الهروب من الواقع: فقد يواجه الشاب مشكلةً في عمله، أو مشكلةً اجتماعية، أو عائلية فيلجأ إلى الإدمان ويرى أنه تغييب عقله عن الواقع أنه يهرب من المشكلة.
- أصدقاء السوء: وهم السبب الأكثر خطورة في إدمان كثير من الشباب، فقد يوجد شاب صالح حسن الخلق، ولكن يظل أصدقاؤه يلحون عليه ليجرب معهم ومن هنا يبدأ طريق الإدمان، فعليه الانبتاه فالله رقيبه وحسيبه.
المراجع
- ^ أ ب م. أمجد قاسم (1/5/2012)، "مفهوم التربية وتطورها عبر التاريخ الانساني"، آفاق علمية و تربوية، اطّلع عليه بتاريخ 17/6/2019. بتصرّف.
- ↑ كيندة التركأوي (7/11/2015)، "مفهوم التربية لغة و اصطلاحا"، الألوكة الإجتماعية، اطّلع عليه بتاريخ 17/6/2019. بتصرّف.
- ↑ د. عبدالله الرشدان (20/4/2017)، "التربية و التنشئة الاجتماعية"، المرجع الالكتروني للمعلوماتية، اطّلع عليه بتاريخ 17/6/2019. بتصرّف.
- ↑ م.م. أنوار محمود علي (2012)، "دور التربية في التغير الإجتماعي"، iasj، اطّلع عليه بتاريخ 17/6/2019. بتصرّف.
- ↑ "المؤثرات المعاصرة في التربية"، المسلم، 15-7-2019، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2019.
- ↑ محمد احمد كريم،محمد الهادي عفيفي،ابراهيم ناصر (23-1-2011)، "التربية (مفهومها،اهدافها، هميتها)"، العلوم، اطّلع عليه بتاريخ 26-6-2019. بتصرّف.
- ↑ د. صالح أبو عرّاد، "بعض المؤسسات التربوية و أثرها في تربية الفرد و المجتمع"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 17/6/2019. بتصرّف.
- ↑ د. سماح عليان (21/7/2018)، "كيف يتأثر سلوك الانسان بالمجتمع المحيط به"، aljazeera، اطّلع عليه بتاريخ 17/6/2019. بتصرّف.
- ↑ بدر سالم و عبد الوهاب بوكروح و آخرون (14/4/2012)، "المراهقون:تمرد مجتمعي و انغلاق تقني و آخرون تائهون"، البيان، اطّلع عليه بتاريخ 17/6/2019. بتصرّف.
- ↑ "أهم قضايا الشباب"، الموسوعة العربية الشاملة، اطّلع عليه بتاريخ 28/6/2019. بتصرّف.