مكة المكرّمة
تعدّ مكة أفضل البقاع على وجه الأرض وأطهرها، فكما فضّل الله تعالى بعض عباده على بعضهم، فقد فضّل سبحانه وتعالى مكة على سائر البلاد والأمكنة، فمكة هي خير البلاد وأطهرها، وفيها ترتاح النفوس، وإليها تهفو القلوب، ونحوها يتجه العابدون، فيشكون إلى الله حالهم وتقصيرهم ويسألونه نجاتهم، وفيها أول بيت وُضع للناس، فقال تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا}[١].
تعدّ مكة البلد الأمين الذي ذكره الله تعالى في محكم كتابه، وهو البلد الذي يأتيه الخير والرزق من كل حدبٍ وصوب، استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي دعا بأنّ يجعل الله تعالى مكة بلدًا آمنًا مطمئنًا يأتيه رزق أهله من الثمرات والخيرات من كل مكان ومن دون عناء، ومن أهم فضائل مكة أنّها شهدت ولادة نبي الأمة، وأطهر خلقها محمد صلى الله عليه وسلم، وفيها بدأ نزول القرآن الكريم، ومنها انطلقت دعوة الخير والحق، وانتشر الإسلام في الأفق.
وقد أوجب الله تعالى زيارتها على عباده من استطاع إليها سبيلًا، وعند زيارتها يجب أن يدخلها بتواضع وخشوع وتذلل، متجرد عن لباس أهل الدنيا، وجعل إتيان مكة تكفيرًا للذنوب ومحوًا للخطايا والآثام، فمكة منزلتها عظيمة وفضائلها عديدة وكثيرة، وقد اختارها الله تعالى لتكون بلده الحرام، ففيها أعظم مساجد الدنيا التي يتوجه إليه المسلمين في يومهم خمس مرات خلال أدائهم للصلاة.[٢]
عجائب مكة المُكرّمة
توجد عدد من العجائب والغرائب التي يُمكنكَ ملاحظتها في مكة؛ إذ تختلف مكة اختلافًا شديدًا عن باقي البلدان في العالم، ومن عجائبها:[٣]
- مكّة فيها البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس للصلاة فيه، ففي الحديث الشريف عن أبو ذر الغفاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ مسجدٍ وُضِعَ أوَّلُ ؟ قالَ المسجدُ الحرامُ قالَ قلتُ ثمَّ أيٌّ قالَ ثمَّ المسجدُ الأقصَى قلتُ كم بينَهُما ؟ قالَ : أربعونَ عامًا ثمَّ الأرضُ لَكَ مصلًّى فصلِّ حيثُ ما أدرَكَتْكَ الصَّلاةُ][٤].
- جعل الله تعالى مكة حرمًا آمنًا، إذ لا يُسفك فيه دم، ولا تُقطع فيه شجرة، ولا يصطاد صيد، ولا تُلتقط لها لقطة بقصد الاحتفاظ، وإنما بقصد التعريف فقط.
- الصلاة في مسجدها الحرام، أفضل من الصلاة في غيره من المساجد مائة ألف صلاة.
- مضاعفة الأجر لجميع الأعمال الصالحة التي يقوم فيها العبد في مكة من صلاة، ودعاء، وحج، واستغفار.
- إنّ مكة أم القرى، فجميع القرى في العالم تابعة لها وفرعٌ منها.
- مكة قبلة لأهل الأرض جميعهم، فلا قبلة على وجه الأرض سواها.
- يُحرّم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر بقاع الأرض، [إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَولٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا][٥].
- مكة خير البلاد وأحبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
- أضاف الله تعالى البيت الحرام في مكة إلى نفسه، فاقتضت هذه الإضافة الكثير من الإجلال والتعظيم والمحبة ما اقتضته.
- المعاقبة على السيئة حتى وإن لم تُفعل، فبمجرّد إرادة الظلم والإلحاد فإنّه موجب للعذاب، وإن كان بمكان آخر لا يُعاقب العبد على النية، وإنّما على الفعل فقط.
تاريخ مكة المكرّمة عبر العصور
تذهب الروايات التاريخيّة إلى أنّ جذور مكة تعود إلى بنائها من قِبل الملائكة لتكون مزارًا ومطافًا لهم، فكانت قبلة للمسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، بعد أن قام سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء البيت مرة أخرى، ومهما وجِد من اختلافات في تاريخ مكة، سيبقى اتفاق على أنّ مكة من أقدم المدن المعمورة، والبيت الحرام من أعظم المساجد وأكبر دور العبادة على وجه الأرض.
وقد أصبحت مكة مأهولة بالسكان في عهد قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، وأصبحت في ظل حكمه مدينة عامرة مترامية الأطراف، ومناخ مكة حار وجاف، وعندما سكنها العمالقة أطلقوا عليها اسم "بكّة" ومعناها البيت، وكان العرب في الجاهلية يؤمنون بقدسية مكة، وكان وادي مكة محطة لمرور القوافل التجاريّة بين اليمن وبلاد الشام، وكان الوادي سوق رئيسي لأهل مكة بسبب غناه بالينابيع وعيون المياه.
احتفظت مكة قبل الإسلام بدور الوسيط المحايد، ممّا حقق لها مكانة اقتصادية كبيرة، فقد استعانت الإمبراطوريّة الرومانيّة بتجار مكة كوسطاء لنقل تجارة الهند والصين لهم، وفي نفس الوقت كان لتجار مكة تجارة رائجة مع الحبشة والصومال، وكانت العملة الرئيسيّة في مكة هي الدرهم والدينار.
وقد كانت مكة من أبرز الأماكن الثقافيّة والتجاريّة واشتغل أهلها بصناعة السيوف والدروع والرماح والنّبل والسكاكين والفخاريات، وأشهر ما في مكة؛ بئر زمزم الذي انفجرت منه عين زمزم، وقد هُدمت الكعبة المشرفة عدّة مرات وأُعيد بنائها، فالبناية الأولى كانت بناء الملائكة لها، ثم بناء آدم، ثم بناء أبناء آدم، ثم بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم قوم العمالقة، ثم بني قصي، ثم قريش، ثم ابن الزبير، ثم بناية الحجاج.
ومن أبرز الأحداث في تاريخ مكة؛ محاولة هدمها عن طريق أبرهة الأشرم حاكم اليمن النجاشي، فتقدّم إليها بفيلته ليهدمها ولكن جاء العقاب من الله سريعًا فأرسل الله تعالى عليهم الطير الأبابيل التي رمتهم بالحجارة وأبادتهم جميعًا، فزادت أهمية مكة وقدسيتها في نفوس العرب جميعهم بعد هذا الحدث.
وفي وسط جميع الأحداث العارمة في مكة ولد سيد الهدى وخير البشرية سيدنا محمد في مكة لتتربع على عرش المجد والسؤدد، فحازت المكان الأكثر قُدسيّة في العالم العربي والإسلام، وأصبحت قبلة المسلمين الأولى، فقام النبي بتطهير الكعبة من الأصنام والأوثان، وصلّى في الكعبة، وخطب خطبة حضرها جمع غفير من الناس، ورُفع الحجر الأسود في وسط الكعبة، وسلّم الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاحها لبني عبد الدار.
وُسِعت الكعبة في عهد النبي والخلفاء الراشدين، وفي عهد ابن الزبير والخليفة عبد الملك بن مروان، وأخيرًا في العهد السعودي الحديث؛ إذ نال المسجد الحرام عناية فائقة لم تقل عن العناية السابقة به، فأجريت توسعة الحرم المكي ليستوعب ملايين الحجاج والمصلين، ورُصَّ أجزاء منها بالبلاط، وأُزيلت جميع المباني القديمة بالقرب منها، وأجريت توسعة للمسعى وزيدت عدد أبوابه، وأُعيد تجديد الكسوة للكعبة لتظهر بأفضل مظهر وهَيبة.[٦]
مَعْلُومَة
ورد عدد كبير من أسماء مكة التي كانت تُسمّى بها سابقًا، وحتى وقتنا الحاضر، ومن أهم هذه الأسماء هي:[٧]
- بّكة.
- البيت العتيق.
- البيت الحرام.
- البلد الأمين.
- المأمون.
- أم رحم.
- أُم القُرى.
- صلاح.
- العرش.
- القادس، لأنها تطهّر من الذنوب والخطايا.
- المُقدّسة.
- النّاسة.
- الحاطمة.
- النساسة.
- الرأس.
- البنية.
- البلدة.
- الكعبة.
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 97،96.
- ↑ "مكة ومنزلتها في الإسلام"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020. بتصرّف.
- ↑ د. أمين بن عبدالله الشقاوي، "فضائل مكة وحرمتها"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 616، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 264، [صحيح].
- ↑ د. فهمي توفيق محمد مقبل، "تاريخ مكة المكرمة عبر العصور"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020. بتصرّف.
- ↑ "من أسماء مكة المكرمة "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020. بتصرّف.