بحث عن الرشوة وأثرها على المجتمع

مفهوم الرشوة

قال تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]، أوصى الله عز وجل بحفظ الأموال، سواء كانت ملكية خاصة أو عامة، لأن تضييع الأموال ينشر الفساد بين الأفراد والمجتمعات، فمصير هذه المجتمعات بات عرضة للهلاك والانحدار، لأن حب المال يعادل حب النفس، ولذلك أوصى الله بمراعاة حقوق العباد المالية وحفظها، وحذر من أكل مال الغير سواء كانت هذه الطريقة مباشرة أو غير مباشرة مثل الغش والرشوة، فكلها طرق محرمة وغير مشروعة.[١]

  • الرشوة في اللغة: كانت العرب قديمًا تطلق لفظ الرشوة على رش الدلو، ورشا الدلو؛ أي جعل له رشاء أي حبلًا يوصل الدلو للماء ويربط الحبل بالدلو من أحد طرفيه، ويطلق هذا اللفظ على رأس الفرخ الصغير عندما يرفع رأسه للأعلى نحو أمه كي تطعمه، ويطلق على صغير الظبي عندما يتحرك يريد أن يمشي، وتسمى خيوط اليقطين وخيوط الأعناب بالرشوة إذا طالت وامتدت أغصانها كالحبال، أما ضبط كلمة الرشوة فيأتي بثلاث حركات على الراء إما بفتح الراء، أوبكسر الراء، أو رشوة بضم الراء، ومن معانيها أيضًا رشاه يرشه رشوا؛ بمعنى قدم له رشوة من باب المحاباة، ورشاه أعطاه، وأصلها مأخوذة من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء ومن الألفاظ المرادفة للرشوة السحت، والسحت في اللغة يعني الحرام وما خبث من المكاسب، وسمي بذلك لأنه يذهب البركة ويهلكها عن آخرها.
  • الرشوة في الاصطلاح: من الجدير بالذكر أن ما لا يوجد له معنى دقيق في اللغة فليس له معنى دقيق في الاصطلاح، لأن المعنى اللغوي أسبق بالوضع، والمعنى الاصطلاحي يأخذ من اللغة ويضيف عليها بعض القيود والشروط الشرعية، وعليه فإن لفظة الرشوة في الاصطلاح جاءت بعدة تفسيرات وتعريفات منها ما يأتي:
    • عرف الجرجاني الرشوة بأنها ما يُعطى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل.
    • تعريف آخر للرشوة على أنها مسمى للمال الذي يُعطى بقصد التوصل للشخص المعطى له المال.
    • تعريف صاحب المصباح المنير الرشوة أنها ما يعطيه شخص للحاكم أو لغيره بقصد أن يحكم له أو يحمله على النحو الذي يرغب.
    • تعريف ابن عربي للرشوة هي كل مال دفعه الشخص ليبتاع به من صاحب الجاه عونا على ما لا يحق له.[٢]


الرشوة أسبابها وآثارها على المجتمع

أسباب الرشوة

الرشوة آفة خطيرة تفتك بنيان المجتمعات وتعرضها لخطر الفساد والتخلف والهلاك، فالمجتمعات التي تسيطر المادة الجشعة على أفرادها وولاة الأمر فيها، تضيع فيها الحقوق وتهدر فيها الفرص الكبيرة وتغيب عنها الكرامة الإنسانية، وتظهر المظالم والمطامع، وتتعطل كثير من أمور الحياة، إذ إنها لا تسير إلا برشوة متفق عليها بين الراشي والمرتشي، وبات الأمر يحدث جهارًا نهارًا لا خجل منه ولا حياء، ولا أحد يلقي بالًا لعواقب الرشوة الوخيمة على الفرد والمجتمع أيضًا، ومن أسباب ودوافع انتشار الرشوة ما يأتي:

  • ضعف الوازع الديني وانعدام مراقبة الله لدى الراشي والمرتشي.
  • الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب، الذي يدفع بالشخص لتقديم رشوة ما كي يتحسن وضعه وتتبدل أحواله للأفضل حسب نظرته الدنيوية للأمور.
  • الجشع والأنانية وعدم الشعور بالانتماء للوطن والمجتمع الذي يعيش فيه وينتفع من خيراته ومقدراته، فيقبل الرشوة دون أن يأخذ بعين الاعتبار حقوق الآخرين ومصيرهم.[٣]

آثار الرشوة على المجتمع

إن للرشوة آثارًا مدمرة وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، ومن بعض آثارها ما يأتي[٣]:

  • تدمر الرشوة موارد الدولة المالية، مثل إعطاء الرشوة لغرض أخذ تراخيص بناء مشاريع وهمية وغير حقيقية ولا تعود بأي فائدة نفعية على المجتمع، فقط ترهق الدولة ماديًا من خلال توفير الخدمات لهذا المشروع، وغيرها الكثير من الأمور التي تسيرها الرشوة بغض النظر عن مدى نفعيتها أو حقيقة وجودها أصلًا.
  • تدمر الرشوة حياة الفرد إذا انتشرت في المجتمع، فتنتشر معها الجريمة والغش في كثير من المناحي الحياتية كالأدوية المغشوشة والأطعمة غير الصالحة للاستهلاك البشري، وأعمال البناء الفاسدة، وغيرها الكثير من الأمثلة التي تدخل فيها الرشوة لتقدمها للأفراد بصورة محسنة ومغشوشة غير الصورة الحقيقية لها.
  • تأتي الرشوة على أخلاق المجتمع فتنال منها وتدمرها شيئًا فشيئًا، إذ تسبب الرشوة كثيرًا من صور الكذب والإهمال والتسيب وعدم الانتماء والإحباط خاصة في العمل، فتتعطل أهم الأنشطة الحيوية في المجتمع وتتأخر عملية التنمية المجتمعية.
  • تؤدي الرشوة إلى ضياع حقوق الدولة إن وصلت هذه الآفة لأيدي الموظفين في الدولة، من موظفي جمع الضرائب والحقوق المالية للدولة، فستضيع كثير من الحقوق المالية للدولة.
  • تعيين الشخص غير المناسب في المكان المناسب، أي تعيين أشخاص غير مؤهلين وغير صالحين في وظائف ومناصب في المجتمع، فتقل الكفاءة والإنتاجية والجودة، وهذه خيانة لله وللرسول وللمسلمين.


حُكم الرِّشوة

الرشوة كبيرة من كبائر الذنوب وحكمها حرام بالنص والإجماع، سواء كانت للحاكم والقاضي أو العامل أو أي شخص له عمل وعليه واجبات يؤديها دون مقابل من أي طرف خارجي، وتطال حرمتها الراشي أي المعطي للرشوة، والمرتشي وهو الآخذ للرشوة، والوسيط أيضًا وهو الشخص الذي كان حلقة الوصل بين الراشي والمرتشي؛ وقد صح في السنة النبوية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال:(لعن الراشي والمرتشي)[ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، واللعن بمعنى الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، ولا يحدث هذا الطرد إلا في كبيرة، بالإضافة إلى أن الرشوة نوع من أنواع السحت الحرام، فقد ذم الله تعالى اليهود بأكلهم السحت في قوله تعالى:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42].[٤]


المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 188.
  2. أحمد كرم (24-9-215)، "الرشوة وأثرها على المجتمع وسبل العلاج"، linkedin، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب صلاح الدق (20-6-2016)، "الرشوة: أسبابها وعلاجها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019. بتصرّف.
  4. فارس العريفي، "الرشوة.. خطرها على الفرد والمجتمع"، المسلم، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :